فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وابن عامر {أرجئهو} بهمزة ساكنة وهاء متصلة بواو الاشباع.
وقرأ نافع في رواية ورش وإسماعيل والكسائي {أرجهي} بهاء مكسورة بعدها ياء من أرجيت، وفي رواية قالون {إن أَرْجِهْ} بحذف الياء للاكتفاء عنها بالكسرة، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان {أرجئه} بالهمزة وكسر الهاء، وقد ذكر بعضهم أن ضم الهاء وكسرها والهمز وعدمه لغتان مشهورتان، وهل هما ماذتان أو الياء بدل من الهمزة كتوضأت وتوضيت؟ قولان، وطعن في القراءة على رواية ابن ذكوان، فقال الحوفي: إنها ليست بجيدة، وقال الفارسي: إن ضم الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره وكسرها غلط لأن الهاء لا تكسر إلا بعد ياء ساكنة أو كسرة، وأجيب كما قال الشهاب عنه بوجهين: أحدهما: أن الهمزة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة فلذا كسرت، والثاني: أن الهمزة عرضة للتغيير كثيرًا بالحذف وإبدالها ياء إذا سكنت بعد كسرة فكأنها وليست ياء ساكنة فلذا كسرت.
وأورد على ذلك أو شامة أن الهمزة تعد حاجزًا وأن الهمزة لو كانت ياء كان المختار الضم نظرًا لأصلها وليس بشيء بعد أن قالوا: إن القراءة متواترة وما ذكر لغة ثابتة عن العرب، هذا واستشكل الجمع بين ما هنا وما في الشعراء فإن فيها {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 34، 35] وهو صريح في أن {إِنَّ هذا لساحر} إلى {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 109، 110] كلام فرعون وما هنا صريح في نسبة قول ذلك للملا والقصة واحدة فكيف يختلف القائل في الموضعين وهل هذا إلا منافاة؟ وأجيب بأنه لا منافاة لاحتمالين.
الأول: أن هذا الكلام قاله فرعون والملأ من قومه فهو كوقع الحافر على الحافر فنقل في الشعراء كلامه وهنا كلامهم، والثاني: أن هذا الكلام قاله فرعون ابتداء ثم قاله الملأ إما بطريق الحكاية لأولادهم وغيرهم وإما بطريق التبليغ لسائر الناس فما في الشعراء كلام فرعون ابتداء وما هنا كلام الملا نقلًا عنه.
واختار الزمخشري أن ما هنا هو قول الملأ نقلًا عن فرعون بطريق التبليغ لا غير لأن القوم لما سمعوه خاطبوا فرعون بقولهم: أرجه الخ، ولو كان ذلك كلام الملأ ابتداء لكان المطابق أن يجيبوهم بارجئوا، ولا سبيل إلى أنه كان نقلًا بطريق الحكاية لأنه حينئذ لم يكن مؤامرة ومشاورة مع القوم فلم يتجه جوابهم أصلًا، فتعين أن يكون بطريق التبليغ فلذا خاطبوه بالجواب.
بقي أن يقال هذا الجواب بالتأخير في الشعراء كلام الملأ لفرعون وهاهنا كلام سائر القوم.
لكن لا منافاة لجواز تطابق الجوابين.
وقول شيخ الإسلام: إن كون ذلك جواب العامة يأباه أن الخطاب لفرعون وأن المشاورة ليست من وظائفهم ليس بشيء، لأن الأمر العظيم الذي تصيب تبعته أهل البلد يشاور فيه الملك الحازم عوامهم وخواصهم، وقد يجمعهم لذلك ويقول لهم: ماذا ترون فهذا أمر لا يصيبني وحدي ورب رأي حسن عند من لم يظن به على أن في ذلك جمعًا لقلوبهم عليه وعلى الاحتفال بشأنه، وقد شاهدنا أن الحوادث العظام يلتفت فيها إلى العوام، وأمر موسى عليه السلام كان من أعظم الحوادث عند فرعون بعد أن شاهد منه ما شاهد ثك أنهم اختلفوا في قوله تعالى: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] فقيل: إنه من تتمة كلام الملأ، واستظهره غير واحد لأنه مسوق مع كلامهم من غير فاصل، فالأنسب أن يكون من بقية كلامهم، وقال الفراء.
والجبائي: إن كلام الملا قد تم عند قوله سبحانه: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ} [الأعراف: 110] ثم قال فرعون: فماذا تأمرون قالوا: أرجه، وحينئذ يحتمل كما قال القطب أن يكون كلام الملأ مع فرعون وخطاب الجمع في يخرجكم إما لتفخيم شأنه أو لاعتباره مع خدمه وأعوانه.
ويحتمل أن يكون مع قوم فرعون والمشاورة منه.
ثم قال: وإنما التزموا هذا التعسف ليكون مطابقًا لما في الشعراء في أن قوله: {مَاذَا تَأْمُرُونَ} من كلام فرعون وقوله: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} كلام الملأ.
لكن ما ارتفعت المخالفة بالمرة لأن قوله: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم} [الأعراف: 109، 110] كلام فرعون للملأ.
وفي هذه السورة على ما وجهوه كلام الملأ لفرعون، ولعلهم يحملونه على أنه قال لهم مرة وقالوه له أخرى انتهى.
ويمكن أن يقال: إن الملأ لما رأوا من موسى عليه السلام ما رأوا قال بعضهم لبعض: إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تشيرون وما تستحسنون في أمره؟ ولما رآهم فرعون أنهم مهتمون من ذلك قال لهم تنشيطًا لهم وتصويبًا لما هم عليه قبل أن يجيب بعضهم بعضًا بما عنده مثل ماقالوه فيما بينهم فالتفتوا إليه وقالوا: أرجه وأخاه، فحكى سبحانه هنا مشاورة بعضهم لبعض وعرض ما عندهم على فرعون أول وهلة قبل ذكره فيما بينهم، وحكى في الشعراء كلامه لهم ومشاورته إياهم التي هي طبق مشاورة بعضهم بعضًا المحكية هنا وجوابهم له بعد تلك المشاورة، وعلى هذا لا يدخل العوام في الشورى، ويكون هاهنا أبلغ في ذم الملأ فليتدبر والله تعالى أعلم بأسرار كلامه {وَأَرْسِلْ في المدائن} أي البلاد جمع مدينة، وهي من مدن بالمكان كنصر إذا أقام به، ولكون الياء زائدة كما قال غير واحد تقلب همزة في الجمع، وأريد بها مطلق المدائن، وقيل: مدائن صعيد مصر {حاشرين} أي رجالًا يجمعون السحرة، وفسره بعضهم بالشرط وهم أعوان الولاة لأنهم يجعلون لهم علامة، ويقال للواحد شرطي بسكون الراء نسبة للشرطة، وحكى في القاموس فتحها أيضًا، وفي الأساس أنه خطأ لأنه نسبة إلى الشرط الذي هو جمع، ونصب الوصف على أنه صفة لمحذوف ومفعوله محذوف أيضًا كما أشير إليه، وقد نص على ذلك الأجهوري.
{يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} أي ماهر في السحر والفعل مجزوم في جواب الطلب.
وقرأ حمزة.
والكسائي {سَحَّارٍ} وجاء فيه الامالة وعدمها وهو صيغة مبالغة؛ وفسره بعضهم بأنه الذي يديم السحر والساحر من أن يكون قد سحر في وقت دون وقت، وقيل: الساحر: هو المبتدئ في صناعة السحر والسحار هو المنتهى الذي يتعلن منه ذلك. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أي: أخر أمرهما وأصدرهما عنك، حتى ترى رأيك فيهما، وتدبر شأنهما، لئلا تنسب إلى الظلم الصريح.
قال أبو منصور: والأمر بالتأخير دل على أنه تقدم منه أمر آخر، وهو الهم بقتله، فقالوا أخره ليتبين حاله للناس.
وأصل: {أَرْجِهْ} أرجئه، كما قرئ كذلك: من أرجات.
{وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ} أي: مدائن الصعيد من نواحي مصر {حَاشِرِينَ} أي: من يحشر لك السحرة ويجمعهم.
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ} وقرئ {سحَّار} {عَلِيمٍ} أي: ماهر في باب السحر، ليعارضوا موسى ما أراهم من البينات.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية على عظيم معجزة لموسى، وتدل على جهل فرعون وقومه، حيث لم يعلموا أن قلب العصا حية تسعى لا يقدر عليه غير الله تعالى، حتى نسبوه إلى السحر. وتدل على أن عادة البشر، أن من رأى أمرًا عظيمًا أن يعارضه، فلذلك دعا فرعون بالسحرة، فدل على أن العرب لو قدروا على مثل القرآن، لعارضوه.
وتدل على أن الطريق في المعجزات، المعارضة بإتيان مثله، ولذلك قال تعالى في القرآن: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ}، ولذلك لم يتكلف فرعون وقومه غير المعارضة وإيقاع الشبه.
وتدل أنهم أنكروا أمره محافظة على الملك والمال، لذلك قالوا: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُم} فيدل على أن من أقوى الدواعي إلى ترك الدين المحافظة على الرياسة والمال والجاه، كما هو عادة الناس في هذا الزمن. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {قالوا أرجه} جواب القوم المستشَارين، فتجر يدها من حرف العطف لجريانها في طريق المحاورة، أي: فأجاب بعض الملأ بإبداء رأي لفرعون فيما يتعين عليه اتخاذه.
ويجوز أن تكون جملة: {قالوا أرجه} بدلًا من جملة: {قال الملأ من قوم فرعون} بإعادة فعل القول وهو العامل في المبدل منه إذا كان فرعون هو المقصود بقولهم: {فماذا تأمرون}.
وفعل {أرجه} أمر من الإرجاء وهو التأخير.
قرأه نافع، وعاصم، والكسائي وأبو جعفر {أرجه} بجيم ثم هاء وأصله أرجئه بهمزة بعد الجيم فسُهلت الهمزة تخفيفًا، فصارت ياء ساكنة، وعوملت معاملة حرف العلة في حالة الأمر، وقرأه الباقون بالهمز ساكنًا على الأصل ولهم في حركات هاء الغيبة وإشباعها وجوه مقررة في علم القراءات.
والمعنى: أخّرْ المجادلة مع موسى إلى إحضار السحرة الذين يدافعون سحره، وحكى القرآن ذكر الأخ هنا للإشارة إلى أنه طوي ذكره في أول القصة، وقد ذكر في غير هذه القصة ابتداء.
وعدي فعل الإرسال بفي دون إلى لأن الفعل هنا غير مقصود تعديته إلى المرسل إليهم بل المقصود منه المرسَلون خاصة.
وهو المفعول الأول.
إذ المعنى: وأرسل حاشرين في المدائن يأتوك بالسّحرة، فعُلم أنهم مرسلون للبحث والجلب.
لا للإبلاغ وهذا قريب من قوله تعالى: {فأرسلنا فيهم رسولًا منهم} في سورة المؤمنين (32)، قال في. هنالك: لم يُعَد الفعل بقي مثلَ ما يُعدى بإلى، ولكن الأمة جعلت موضعًا للإرسال كما قال رؤبة:
أرسلتَ فيها مُصْعَبا ذَا إقحام

وقد جاء بَعَثَ على ذلك في قوله: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا} [الفرقان: 51]، وقد تقدم آنفًا قريب منه عند قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نبي} [الأعراف: 94].
والمَدائن: جمع مدينة، وهي بوزن فعيلة، مشتقة من مَدَن بالمكان إذا أقام ولعل مَدَن هو المشتق من المدينة لا العكس، وأيًّا ما كان فالأظهر أن ميم مدينة أصلية ولذلك جمعت على مدائن بالهمزة كما قالوا صَحَائف جمع صحيفة.
ولو كانت مَفْعَلة من دانه لقالوا في الجمع مداين بالياء مثل معايش.
ومداين مصر في ذلك الزمن كثيرة وسنذكر بعضها عند قوله تعالى: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين}.
في سورة الشعراء (53).
قيل أرادوا مدائن الصعيد وكانت مقر العلماء بالسحر.
والحاشرون الذين يحشرون الناس ويجمعونهم.
والشأن أن يكون ملأ فرعون عقلاءَ أهلَ سياسة، فعلموا أن أمر دعوة موسى لا يكاد يخفى.
وأن فرعون إنْ سجنه أو عاند، تحقق الناس أن حجة موسى غلبت، فصار ذلك ذريعة للشك في دين فرعون، فرأوا أن يلاينوا موسى، وطمعوا أن يوجد في سحَرة مصر من يدافع آيات موسى، فتكون الحجة عليه ظاهرة للناس.
وجَزْم {يأتوك} على جواب الأمر للدلالة على شدة اتصال السببية بين الإرسال والإتيان، فالتقدير: إنْ تُرْسل يأتُوك، وقد قيل: في مثله إنه مجزوم بلام الأمر محْذوفة، على أن الجملة بدل من {أرسلْ} بدلَ اشتمال.
أي: أرسلهم آمرًا لهم فليأتوك بكل ساحر عليم، وهذا الاستعمال كثير في كلام العرب مع فعل القول نحو: {قل لعباديَ الذين آمنوا يُقيموا الصلاة} [إبراهيم: 31] فكذلك ما كان فيه معنى القول كما هنا.
وكل مستعمل في معنى الكثرة، أي: بجمع عظيم من السحرة يشبه أن يكون جميع ذلك النوع.
وقرأ الجمهور: {بكل ساحر} وقرأ جمزة، والكسائي، وخلف: {بكل سَحّار}، على المبالغة في معرفة السحر، فيكون وصف {عليم} تأكيدًا لمعنى المبالغة لأن وصف {عليم} الذي هو من أمثلة المبالغة للدلالة على قوة المعرفة بالسحر، وحذف متعلق {عليم} لأنه صار بمنزلة أفعال السجايا.
والمقام يدل على أن المراد قوة علم السحر له. اهـ.